مديـــنة يــافــــا
الموقع والتسمية
تحتل مدينة يافا موقعا طبيعياً متميزا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط عند التقاء دائرة عرض 32.3ْ شمالا وخط طول 34.17 شرقا، وذلك الى الجنوب من مصب نهر العوجا بحوالي 7 كيلو مترات وعلى بعد 60 كيلو متر شمال غرب القدس، وقد اسهمت العوامل الطبيعية في جعل هذا الموقع منيعا يشرف على طرق المواصلات والتجارة، وهي بذلك تعتبر احدى البوابات الغربية الفلسطينية، حيث يتم عبرها اتصال فلسطين بدول حوض البحر المتوسط وأوروبا وافريقيا، وكان لافتتاح مينائها عام 1936 دور كبير في ازدهارها فيما بعد .
واحتفظت مدينة يافا بهذه التسمية " يافا أو "يافة" منذ نشأتها مع بعض التحريف البسيط دون المساس بمدلول التسمية. والاسم الحالي "يافا" مشتق من الاسم الكنعاني للمدينة " يافا التي تعني الجميل أو المنظر الجميل، وتشير الأدلة التاريخية إلى أن جميع تسميات المدينة التي وردت في المصادر القديمة تعبر عن معنى "الجمال".
وأقدم تسجيل لاسم يافا وصلنا حتى الآن، جاء باللغة الهيروغليفية، من عهد "تحتمس الثالث" حيث ورد اسمها "يوبا " أو " يبو" حوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، ضمن البلاد الآسيوية التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية المصرية، وتكرر الاسم بعد ذلك في بردية مصرية أيضاً ذات صفة جغرافية تعرف ببردية " أنستازي الأول" تؤرخ بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد، وقد أشارت تلك البردية إلى جمال مدينة يافا الفتان بوصف شاعري جميل يلفت الأنظار.
ثم جاء اسم يافا ضمن المدن التي استولى عليها "سنحاريب" ملك آشور في حملته عام 701 قبل الميلاد على النحو التالي : "يا – اب – بو" وورد اسمها في نقش ( لاشمونازار) أمير صيدا، يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، على النحو التالي: "جوهو"، حيث أشار فيه إلى أن ملك الفرس قد منحه " يافا " ومدينة "دور" مكافأة له على أعماله الجليلة .
أما في العهد الهلينستي، فقد ورد الاسم " يوبا وذكر بعض الأساطير اليونانية القديمة أن هذه التسمية " يوبا" مشتقة من "يوبي" بنت إله الريح عند الرومان .
كما جاء اسم يافا في بردية " زينون"، التي تنسب إلى موظف الخزانة المصرية الذي ذكر أنه زارها في الفترة ما بين (259-258 ق .م) أثناء حكم بطليموس الثاني. وورد اسمها أكثر من مرة في التوراة تحت اسم "يافو".
وعندما استولى عليها جودفري أثناء الحملة الصليبية الأولى، قام بتحصينها وعمل على صبغها بالصبغة الإفرنجية، وأطلق عليها اسم "جاهي" ، وسلم أمرها إلى "طنكرد-تنكرد" أحد رجاله .
ووردت يافا في بعض كتب التاريخ والجغرافية العربية في العصور العربية الإسلامية تحت اسم "يافا" أو "يافة" أي الاسم الحالي. وتعرف المدينة الحديثة باسم " يافا" ويطلق أهل يافا على المدينة القديمة اسم "البلدة القديمة" أو"القلعة". وبقيت المدينة حتى عام النكبة 1948 م، تحتفظ باسمها ومدلولها" يافا عروس فلسطين الجميلة " حيث تكثر بها وحولها الحدائق،وتحيط بها أشجار البرتقال " اليافاوي" و "الشموطي" ذي الشهرة العالمية والذي كان يصدر إلى الخارج منذ القرن التاسع للميلاد .
يافا عبر التاريخ :
1. يافا في العصور البرونزية : لم تمدنا الاكتشافات الأثرية التي أجريت في مدينة يافا حتى الآن ، بالأدلة المباشرة الكافية للتعرف على جميع المجالات الحضارية للمدينة في العهد الكنعاني ، إلا أنه من الممكن التعرف على بعض الجوانب الحضارية للمدينة من خلال الآثار والمخطوطات التي عثر عليها سواء في المدينة ، أم في المدن الفلسطينية الأخرى ، أم في الأقطار العربية المجاورة ذات العلاقات المباشرة وغير المباشرة مع مدينة " يافا " وبخاصة في مصر ، وسورية ، ولبنان، والأردن . وتبين من الأدلة الأثرية المختلفة التي عثر عليها في مواقع متعددة من المدينة وضواحيها، وجود مخلفات تعود إلى عصور البرونز ، وتمتد إلى الفتح العربي الإسلامي ، على الرغم من تعرض المدينة للعديد من النكبات في مسيرتها الحضارية التي ابتدأتها منذ خمسة آلاف سنة تقريباً . وتشير تلك المصادر إلى أن يافا من أقدم المدن التي أقامها الكنعانيون في فلسطين ، وكان لها أهمية بارزة كميناء هام على البحر المتوسط ، وملتقى الطرق القديمة عبر السهل الساحلي . 2. يافا في عصر الحديد (1000-332 ق.م) :تتميز هذه الفترة في فلسطين باتساع العلاقات الدولية والتداخلات السياسية التي حتمت على سكان فلسطين " الكنعانيين " أن يكافحوا بكل قوة للحفاظ على كيانهم السياسي والاجتماعي، ضد القوى الكبرى المجاورة المتمثلة بالمصريين ،والآشوريين،ثم الغزوات الخارجية المتمثلة بالغزو الفلسطيني" الإيجي " ، القادم من جزر بحر إيجة ، الذي حاول أن يمد سيطرته على المزيد من المناطق الفلسطينية بعد استيلائه على القسم الجنوبي من الساحل، ما بين يافا إلى غزة ، ثم الغزو اليهودي القادم عبر نهر الأردن ، ومحاولاته المستمرة في تثبيت أقدامه على أرض فلسطين ، وقد ترتب على ذلك كله اتساع مجالات الصراع على الساحة الفلسطينية بين الكنعانيين من جهة ، وبين كل من الفلسطينيين واليهود من جهة أخرى ، ثم الصراع بين الغزاة الفلسطينيين " الإيجيين " واليهود وسط تعاظم النفوذ الخارجي للدول الكبرى المجاورة . وفي خضم هذا الصراع كان الساحل الفلسطيني من شمال يافا إلى عكا تابعاً للنفوذ الفينيقي أما منطقة الساحل من يافا إلى حدود مصر ، فقد كان لها وضع خاص التفت حوله مصلح جميع الأطراف المتصارعة ، فالأدلة تشير إلى أن هذه المنطقة كانت تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي من خلال التعايش بين الكنعانيين والعناصر الفلسطينية " الإيجية " التي استقرت في المنطقة ، مع الاعتراف بالنفوذ المصري الذي كان يركز على الاحتفاظ بحرية الملاحة التجارية والبحرية في موانئ يافا ، وعسقلان ، وغزة ، فاحتفظ المصريون بمركز إداري رئيس لهم في غزة ، وبمركز آخر أقل أهمية في يافا، كما كانت لهم حاميات في يافا وفي أماكن أخرى في فلسطين . 3. يافا في الحضارة الهلينستية ( 332 ق.م - 324 م ) : انتهى الحكم الفارسي لفلسطين عام 331 ق.م ، بعد أن هزم اليونانيون الإغريق بقيادة الإسكندر المقدوني (356 -323 ق.م) فدخلت فلسطين في العصر الهلينستية ، الذي امتد حتى عام 324 م ، عندما انتقلت مقاليد الأمور بفلسطين إلى البيزنطيين . الحضارة الهلينستية هي مزيج بين الحضارات الشرقية واليونانية وكانت مدينة الإسكندرية مركزاً لها، وقد كان الاسكندر هو صاحب فكرة دمج الحضارات في حضارة واحدة. وقد عرف قاموس المصطلحات المصري الهيلينسية:"أسلوب من الفن اليوناني أو المعماري أثناء الفترة من موت الاسكندر الأكبر عام 323 ق.م حتى ارتقاء أغسطس قيصر عام 27 ق.م . وتشير الأدلة إلى أن مدينة يافا قد حظيت باهتمام خاص في العصر الهيلنستي حيث اهتم بها اليونانيون كمدينة ومرفأ هام على الساحل الشرقي للبحر المتوسط ، تمثل قاعدة هامة بين بلادهم وفلسطين ، في فترات تميزت بالاتصال الدولي والنشاط التجاري بين بلاد الشام والأقطار العربية المجاورة ، وبلاد اليونان ، وجزر البحر المتوسط . 4. يافا في العصر الروماني : في نهاية العصر الهيلنستي ظهرت روما كدولة قوية في غرب البحر المتوسط ، وأخذت تتطلع لحل مكان الممالك الهيلينية في شرق البحر المتوسط ، فانتهز قادة روما فرصة وجود الاضطراب والتنافس بين الحكام ، وأرسلوا حملة بقيادة " بومبي "" بومبيوس " الذي استطاع احتلال فلسطين ، فسقطت مدينة يافا تحت الحكم الروماني عام 63 ق.م ، الذي استمر إلى نحو 324م ، وقد لقيت يافا خلال حكم الرومان الكثير من المشاكل ، فتعرضت للحرق والتدمير ،أكثر من مرة ، بسبب كثرة الحروب والمنازعات بين القادة أحياناً ، وبين السلطات الحاكمة والعصابات اليهودية التي كانت تثور ضد بعض الحكام أو تتعاون مع أحد الحكام ضد الآخرين ، أحياناً أخرى . وكانت هذه المحاولات تقاوم في أغلب الأحيان بكل عنف فعندما اختلف " بومبيوس" مع يوليوس قيصر، استغل اليهود الفرصة ، وتعاونوا مع يوليوس في غزوه لمصر فسمح لهم بالإقامة في يافا مع التمتع بنوع من السيادة . وعندما تمردوا على الحكم عام 39 ق.م " في عهد انطونيوس " أرسل القائد الروماني " سوسيوس " (SoSius ) جيشاً بقيادة " هيروز " لتأديبهم واستطاع إعادة السيطرة الكاملة على المدن المضطربة وبخاصة يافا ، والخليل ، ومسادا (مسعدة ) ثم القدس عام 37 ق.م .وقد عاد للمدينة استقرارها وأهميتها عندما استطاعت " كليوباترا" ملكة مصر في ذلك الوقت احتلال الساحل الفلسطيني وإبعاد هيرودوس ، حيث بقي الساحل الفلسطيني ،ومن ضمنه مدينة يافا تابعاً " لكليوباترا " حتى نهاية حكمها عام 30 ق.م .وفي نهاية عهد أغسطس قيصر ( 27 ق.م -14م ) ضم الرومان مدينة يافا إلى سلطة " هيرودوس الكبير " إلا أن سكان المدينة قاوموه بشدة ، فانشأ ميناء جديداً في قيسارية (63 كم شمال يافا ) مما أثر تأثيراً كبيراً على مكانة يافا وتجارتها ، ولم يمض وقت طويل حتى عادت المدينة ثانية لسيطرة هيرودوس ، ثم لسلطة ابنه " أركيلوس " في حكم المدينة من بعده حتى عام 6 ق.م عندما ألحقت فلسطين بروما وأصبحت " ولاية " " رومانية " . 5. يافا في العهد البيزنطي (324 م - 636 م ): دخلت يافا في حوزة البيزنطيين في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي ، في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول (324 - 337 م ) الذي اعتنق المسيحية وجعلها دين الدولة الرسمي . وقد شهدت فلسطين عامة أهمية خاصة في هذا العصر لكونها مهد المسيحية . وقد احتلت يافا مركزاً مرموقاً في العهد البيزنطي ، إذ كانت الميناء الرئيس لاستقبال الحجاج المسيحيين القادمين لزيارة الأرض المقدسة . 6. يافا في العصر العربي الإسلامي (15 هـ -1367 هـ-636م -1948 م ):يتميز العصر العربي الإسلامي في مدينة يافا خاصة ، وفي فلسطين عامة ، بمميزات هامة تجعله مختلفاً تماماً عن العصور السابقة ، سواء منها البيزنطية ، أم الهيلنستية ، أم الفارسية ، أم غيرها . فالفتح العربي الإسلامي لفلسطين لم يكن من أجل التوسع أو نشر النفوذ ، أو إقامة الإمبراطوريات ، إنما بدوافع دينية لنشر دين الله وتخليص الشعوب المغلوبة على أمرها ، ويبدو ذلك بكل وضوح في عدم تعرض مدن فلسطين إلى أي تدمير عند فتحها . لقد استطاعت الموجة العربية الإسلامية القادمة من الجزيرة العربية ، في القرن السابع الميلادي تحرير بني قومها من سيطرة البيزنطيين ، ومن ثم تعزيز الوجود العربي فيها ، ورفده بدماء عربية جديدة ، حيث سبقتها الموجات العربية القديمة ، من أنباط حوالي 500 ق.م ، وآراميين حوالي 1500 ق. م ، وآموريين ، وكنعانيين ، حوالي 3000 ق.م . وكانت القبائل العربية المختلفة وفي مقدمتها طائفة من لخم يخالطها أفراد من كنانة قد نزلت يافا . وظلت الروابط العرقية والاجتماعية والثقافية والتجارية تتجدد بين فلسطين والجزيرة العربية الأم ، فعندما بدأ الفتح العربي الإسلامي تضامن عرب فلسطين والشام مع إخوانهم العرب المسلمين للتخلص من حكم الرومان الأجنبي واضطهاده لهم . لقد أصبحت فلسطين بعد الفتح العربي الإسلامي إقليماً من أقاليم الدولة الإسلامية ، ونعمت في ظلها بعصر من الاستقرار لم تعرفه من قبل ، فاستراحت من الحروب التي كانت تجعل أرضها ساحة للمعارك . 7. الدولة العثمانية : بعد انهيار الحكم المملوكي ، دخلت كل من مصر وبلاد الشام ، بما فيها فلسطين في عهد الدولة العثمانية . وفي مطلع ذي القعدة عام 922 هـ ، كانون الأول ، ( ديسمبر ) 1517 م استسلمت المدن الرئيسية في فلسطين ، ومنها يافا، والقدس ، وصفد ، ونابلس للدولة العثمانية دون مقاومة . كما امتد السلطان العثماني إلى جميع أقطار الوطن العربي. ومن الجدير بالذكر أن العرب كانوا يعتبرون الدولة العثمانية امتداداً للدولة الإسلامية التي ورثت الخلافة الإسلامية ، وقضت على الدولة البيزنطية . ومن مميزات العهد العثماني أنه أبقى على وحدة الأقطار العربية ، وعلى العلاقات الطبيعية بينها ، إذ تشير الأدلة إلى وجود علاقات تجارية وثقافية وثيقة بين مصر وبلاد الشام عامة ، ومصر وفلسطين خاصة ، حيث وجد في مصر حرفيون فلسطينيون ينتمون إلى جميع المناطق الفلسطينية ، منهم اليافي ، والغزي ، والنابلسي ، والخليلي ، وغيرهم . 8. الانتداب البريطاني : بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، وهزيمة الدولة العثمانية ، دخلت فلسطين في عهد جديد، هو عهد الاستعمار البريطاني ، الذي عرف " بالانتداب البريطاني " على فلسطين ، حيث ابتدأ بوضع فلسطين تحت الإدارة العسكرية البريطانية من سنة 1917-1920م ، وفي تموز 1920 م ، وقبل أن يقر مجلس عصبة الأمم صك الانتداب ، الذي كانت ستحكم فيه فلسطين ، بحوالي عامين ، حولت الحكومة البريطانية الإدارة العسكرية في فلسطين إلى إدارة مدنية ، وسبقت الحوادث ، ووضعت صك الانتداب موضع التنفيذ قبل إقرارة رسمياً وعينت السير " هربرت صموئيل " اليهودي البريطاني " أول مندوب سامي في فلسطين . وقد اختلف هذا العهد عن جميع العهود السابقة التي مرت بها المسيرة التاريخية للمدينة ، فقد طغت الأحداث السياسية في هذا العهد 1917- 1948 م على جوانب الحياة الأخرى للمدينة، كما تميز هذا العهد بتنفيذ المخطط الصهيوني الاستعماري في فلسطين . الكفاح المسلح : ومع تطور الأحداث والصدامات المسلحة ، أصبح الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة للدفاع عن الحقوق . ففي 20استشهد عز الدين القسام في 19/11/1935 وكان ذلك بمثابة إعلان الثورة، أعلن الشيخ عز الدين القسام ، الثورة المسلحة ضد اليهود والاستعمار البريطاني في فلسطين. وقد ألهب هذا الإعلان مشاعر المواطنين الفلسطينيين في كل مكان ، وانتشرت روح الجهاد ضد الاستعمار ، واقتنع الجميع بأن الكفاح المسلح هو الأسلوب الوحيد لحماية الوطن . ومن ناحية أخرى فرض المندوب السامي البريطاني في فلسطين قوانين الطوارئ كما فرض نظام منع التجول على مدينتي يافا وتل أبيب ، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها يافا ومناطق أخرى من فلسطين بين العرب واليهود في نيسان (إبريل ) 1936 م، غير أن هذه الإجراءات لم تحل دون تأجج نار الثورة ، حيث حدثت عدة مصادمات بين العرب والجنود البريطانيين في يافا احتجاجاً على وضع مساجد المدينة تحت الاشراف المباشر للسلطات البريطانية .ونتيجة لتلك الأحداث التي انتشرت في يافا وفي معظم المدن الفلسطينية ، اجتمع زعماء يافا في مكتب لجنة مؤتمر الشباب ، وشكلوا لجنة قومية ، وقرروا الإضراب العام تعبيراً عن سخط الشعب الفلسطيني ، ومعارضته للهجرة اليهودية ، وشجبه للسياسة البريطانية الغاشمة في فلسطين . كما انتخبوا لجنة قومية للإشراف على الإضراب ، وقد استجابت لهذا الإضراب وأيدته ، وشاركت فيه هيئات عديدة من أنحاء فلسطين . وقبيل الحرب العالمية الثانية ، والظروف التي واكبتها ، توقفت الثورة الفلسطينية المسلحة مرة أخرى في أيلول (سبتمبر) عام 1939م ، لكنها ظلت كامنة في نفوس المواطنين . وعندما حل عام 1947 م ، وعلى أثر إعلان قرار تقسيم فلسطين ، عادت الثورة المسلحة للظهور ، وحدثت عدة مصادمات وعمليات عسكرية في معظم أنحاء فلسطين .ويمكن حصر أبرزها في مدينة يافا على النحو التالي : بعد قرار التقسيم بأسبوع واحد ، نشبت معركة بين العرب واليهود في حي " تل الريش " شرق المدينة ، حيث استطاع المناضلون العرب اقتحام مستعمرة " حولون " المجاورة ، وفي مطلع شهر كانون الأول ( ديسمبر ) من العام نفسه 1947م قام اليهود بهجوم كبير على حي " أبو كبير " وقتلوا عدداً من المواطنين . وفي 4 كانون الثاني ( يناير ) عام 1948 م ، قام اليهود بعمل إجرامي كبير ، حيث نسفوا " سرايا الحكومة " في وسط المدينة التي كانت مقراً لدائرة الشؤون الاجتماعية بواسطة سيارة ملغومة ، وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى . وفي 15 /5/1948 انسحبت القوات البريطانية ودخلت القوات اليهودية وعلى رأسها عصابات الهاجانة المدينة وأعملت السلب والنهب والاستيلاء على ما تجده .
السكان والنشاط الاقتصادي:
لقد تطور عدد السكان في مدينة يافا خلال فترة الانتداب البريطاني إذ أظهرت نتائج التعداد العام للسكان عام 1922، أن قضاء يافا احتل المركز الرابع ضمن المجموعة التي تضم عدد السكان أكثر من 50 الف نسمة. أما التعداد العام للسكان عام 1931 قد أظهر احتلال قضاء يافا المركز الثاني ضمن المجموعة التي تضم عدد سكان أكثر من 170 الف نسمة وفي عام 1944 أصبح قضاء يافا يحتل المركز الاول بعد أن وصل عدد سكانه الى 374 الف نسمة ويرجع سبب هذه الزيادة الى هجرة الكثير من أبناء القرى والمدن الداخلية الى المناطق الساحلية بسبب خصوبة التربة والأراضي الزراعية من جهة وازدهار ميناء يافا من جهة أخرى . وتنوعت الأنشطة الاقتصادية في مدينة يافا ومن أبرز مظاهر النشاط الاقتصادي . 1. الزراعة:انتشرت بساتين الحمضيات والفواكه والخضار حول المدينة واشتهرت مدينة يافا ببرتقالها اليافاوي الذي نال شهرة عالمية. (وتستغل إسرائيل هذه الشهرة إلى اليوم إذ أن كل حبة برتقال تصدر إلى العالم يوجد عليها ملصق صغير كتب عليه"Jafa")2. التجارة : كانت مدينة يافا ميناء فلسطين الاول قبل أن ينهض ميناء حيفا ،حيث كان ميناء للتصدير والاستيراد، وقد صدرت من هذا الميناء (الحمضيات والصابون والحبوب وتم استيراد المواد التي احتاجت إليها فلسطين وشرق الاردن مثل الاقمشة والاخشاب والمواد الغذائية . أما على صعيد التجارة الداخلية فقد كانت مدينة يافا تعج بالاسواق والمحلات التي يزورها الكثير من سكان القرى والمدن المجاورة ومن اشهر أسواقها: سوق بسترس - اسكندر عوض - سوق الدير - سوق الحبوب - سوق المنشية - سوق البلابسة - سوق الاسعاف . 3. الصناعة :وجدت في مدينة يافا العديد من الصناعات كصناعة التبغ والبلاط والقرميد وسكب الحديد والنسيج والبسط والورق والزجاج والصابون ومدابغ الجلود والمطابع . النشاط الثقافي في مدينة يافا : يعتبر المجال التعليمي والمجال الصحفي من أبرز مجالات النشاط الثقافي في مدينة يافا في هذه الفترة ، حيث ازدادت أعداد المدارس بجميع المراحل ، كما ظهرت مطابع حديثة ، وصدرت العديد من الكتب الأدبية والعلمية وانتشرت الصحف اليافية في كل أرجاء فلسطين . فمن الناحية التعليمية ، أنشئت العديد من المدارس الجديدة ، سواء الحكومية منها أم الأهلية ، ففي حين كان عدد المدارس في عام 1930/1931 م ، ثلاث مدارس حكومية منها : مدرسة للبنين ، حتى الصف الثاني الثانوي ، ومدرستان للبنات ، حتى الصف الخامس الإبتدائي ، بلغ عددها عام 1936/1937 م ثمان مدارس ، منها أربع مدارس للبنين حتى الصف الأول التجاري ، بعد الصف الثاني الثانوي . وكان عدد طلابها 1092 طالباً . أما المعلمون فقد بلغ عددهم أربعة وثلاثين معلماً .ثم أربع مدارس للبنات ، حتى الصف السابع الابتدائي ، وقد ضمت 1021 طالبة ، وستاً وعشرين معلمة .وفي عام 1942/1943 م بلغ عدد المدارس 49 مدرسة ضمت 10621 طالباً وطالبة ، و323 معلماً ومعلمة . أما الآن فتتوزع المدارس الى قسمين: 1-المدارس الحكومية ومنها : - مدرسة الاخوة - مدرسة حسن عرفة - المدرسة الثانوية الشاملة 2-مدارس الكنائس : - مدرسة ترسنطة - المدرسة الفرنسية وهي مختلطة عرب + يهود - مدرسة ضابيطا - المدرسة النموذجية التجريبية النشاط الصحفي : الصحافة لسان الشعب في كل مجتمع، تعبر عن آرائه، وتناقش مشكلاته وتحدد اتجاهاته. وقد لعبت الصحافة في يافا في هذا العهد دوراً كبيراً في مجريات أمورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويدل تنوع ما صدر فيها من صحف ومجلات بين يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية – على مدى الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي لهذه المدينة الجمعيات الإسلامية :- المدرسة الفيصلية ، وكانت تتبع جمعية الشبان المسلمين في المنشية ، وبلغ عدد طلابها 112 طالباً ، وتقتصر على المرحلة الإبتدائية . - مدرسة الإصلاح ، مدرسة ابتدائية ، تتبع جمعية الإصلاح الإسلامية ، أقيمت في حي أبو كبير . - وذلك إلى جانب ثلاث وعشرين مدرسة أخرى تتبع جمعيات إسلامية . الجمعيات المسيحية : وكان يتبعها ست عشرة مدرسة ، للمسيحيين الأجانب .ومن مظاهر النشاط الثقافي في يافا انتشار المكتبات العامة والخاصة في معظم أحياء المدينة ، ومنها : - مكتبة فلسطين العلمية ، في شارع بسترس - مكتبة فلسطين ، في حي العجمي - المكتبة العصرية ، في شارع بسترس - مكتبة عبد الرحيم ، وتقع في وسط المدينة - مكتبة الطاهر، تقع في شارع جمال باشا - مكتبة العموري ، ومكتبة طلبة ، كما وجدت مكتبات في الأندية الرياضية والأندية الاجتماعية في المدينة . المناسبات الاجتماعية البارزة في المدينة موسم النبي روبين: وقد بدأت الاحتفالات بهذا الموسم زمن صلاح الدين الايوبي واستمرت حتى اغتصاب مدينة يافا من قبل المستوطنين اليهود، حيث يقام الاحتفال بجوار نهر روبين ويمكث السكان حوالي شهر في الخيام على شاطىء البحر وبين الكثبان الرملية والاشجار . موسم النبي ايوب: يقام سنوياً في حي العجمي قرب شاطىء البحر الجميل .
معالم المدينة
يوجد في مدينة يافا العديد من المعالم التاريخية التي تشير إلى تراثها العربي الأصيل – رغم تعرضها في مسيرتها الحضارية الطويلة إلى التخريب والتدمير مرات عديدة . ضمت مدينة يافا سبعة أحياء وهي: 1. البلدة القديمة، ومن أقسامها الطابية والقلعة والنقيب . 2. المنشية : ويقع في الجهة الشمالية من يافا. 3. ارشيد . 4. العجمي : ويقع في الجنوب من يافا. 5. الجبلية : جنوب حي العجمي. 6. هرميش "اهرميتي" ويقع في الجهة الشمالية من حي العجمي. 7. النزهة ويقع شرق يافا ويعرف باسم الرياض وهو أحدث أحياء يافا . وهناك أحياء صغيرة تعرف باسم السكنات ومنها سكنة درويش وسكنة العرابنة وسكنه أبو كبير وسكنة السيل وسكنة تركي . ومن أبرز شوارع مدينة يافا شارع اسكندر عوض التجاري وشارع جمال باشا. وشارع النزهة . ومن أبرز معالم المدينة المعالم التالية: المسجد الكبير : في وسط المدينة ، ويتكون من دورين ، ويمتاز بضخامته ويوجد بجواره سبيل ماء يعرف بسبيل المحمودية ، ويشرف المسجد على ساحل البحر المتوسط . كنسية القلعة : من أقدم الآثار المعمارية في المدينة القديمة ويوجد بجوارها دير. والكنيسة والدير لطائفة الكاثوليك .تل جريشة : شمال المدينة : منطقة تشرف على نهر الجريشة ، ويؤمها السكان في الأعياد والإجازات ، وتمتاز بموقعها الجميل الذي تحيط به الأشجار . تل الريش : تل يقع شرق المدينة ، يبلغ ارتفاعه نحو 40 قدماً ، وتحيط به بيارات البرتقال ، والمباني الحديثة . البصة : أرض منخفضة ، في موقع متوسط شرق المدينة ، بها خزانات للمياه العذبة ، وبها الملعب الرياضي الرئيس للمدينة ، حيث تقام المهرجانات الرياضية للمدينة . ساحة الساعة : " ساحة الشهداء " في وسط المدينة ، وبجوارها " سراي " الحكومة والجامع الكبير ، والبنوك ، وتتصل بالطرق الرئيسية للمدينة ، ويقوم وسطها برج كبير يحمل ساعة كبيرة . وقد شهدت هذه الساحة المظاهرات الوطنية والتجمعات الشعبية ضد الاستعمار والصهيونية، وعلى أرضها سقط العديد من الشهداء . ساحة العيد : وهي جزء من المقبرة القديمة ، حيث تقام الأعياد والاحتفالات في المواسم والمناسبات . الحمامات القديمة : وهي التي تعرف بالحمام التركي وهي قديمة العهد في المدينة وكان أشهرها يقع في المدينة القديمة . المقابر "المدافن " : ومنها مقبرة العجمي القديمة والمقبرة العامة ، مقبرة الشيخ مراد، المقبرة القديمة، مقبرة سلطانة، مقبرة، تل الريش، مقبرة عبد النبي . دور العبادة:بالإضافة إلى المسجد الكبير هناك جامع الطابية، جامع البحر، جامع حسن باشا، جامع الشيخ رسلان، جامع الدباغ، جامع السكسك، جامع البركة، جامع حسن بك، جامع ارشيد جامع العجمي، جامع الجبلية . الكنائس والاديرة كان في يافا 10 كنائس تمارس فيها الطوائف المسيحية طقوسها الدينية ولكل طائفة كنيستها الخاصة. والطوائف هي : طائفة الروم الكاثوليك، طائفة الموارنة، طائفة الارمن، طائفة الاسكتلندية ، طائفة اللوثرية، طائفة الانغليكانية، بالاضافة الى كنيسة باسم القديس جورج وكنيسة باسم القديس انطوني وكنيسة باسم القديس بطرس للفرنسيسكان، أما الأديرة الثلاثة فهي ملحقات بكنائس القديس انطوني والقديس بطرس، القديس جورج التي سبق ذكرها . ومن الكنائس المشهورة في يافا، كنيسة المسكوبية وتعرف بطامينا في حي أبو كبير. ومن مزارات يافا مزار طامينا ومزار الوليين الشيخ ابراهيم العجمي والشيخ مراد، ويعود تاريخهما لايام المماليك .
اعلام المدينة
ومن أبرز شعراء يافا وأدبائها: محمود الحوت، محمد محمود نجم، محمود الأفغاني، وحسن أبو الوفاء الدجاني، وسعيد العيسى، ومصطفى درويش الدباغ، وأحمد يوسف، وعارف العزوني ، ومحمد سليم رشوان. ومن رجالها الشيخ حسين بن سليم الدجاني. ومن المحامين والقضاة راغب الإمام، ومن المؤلفين عبدالوهاب الكيالي ومحمد إبراهيم الشاعر، ومن المجاهدات دلال المغربي . المدينة اليوم : تعرضت يافا كغيرها من المدن والقرى الفلسطينية للعدوان الصهيوني عام 1946 مما أدى الى تهجير معظم سكانها الذين لم يبق منهم حتى 18/11/1948 سوى 3651 فلسطينيا تشردوا جميعا في العجمي ولم يسمح لهم بمغادرة هذا الحي الا باذن خاص من السلطة الاسرائيلية، وارتفع عددهم الى 4000 عام 1949 1965، ويقدر عددهم الان حوالي 120 الف نسمة . وقد تدفق اليهود المهاجرون ويقدر عددهم الآن بأكثر من 120 الف نسمة وقد ألحقت بمدينة تل أبيب، الامر الذي أدى الى تغيير بنيتها الداخلية ورمالها التاريخية وملامحها الحضارية، وحل الطراز الاوروبي في العمار والتخطيط ولا يوجد الآن سوى الحي الغربي وحي العجمي اللذان احتفظا بطابعهما القديم .
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment